يعد علم الوراثة البشرية أحد فروع علم الأحياء، التي تعمل على دراسة وفهم كيفية تحديد الصفات والسمات البشرية، وكيفية انتقالها من جيل إلى آخر.[١]


أهمية علم وراثة الإنسان

تكمن أهمية علم وراثة الإنسان في أنّه يساعد على التنبؤ، وتشخيص، وعلاج الأمراض ذات الأصول الوراثية، فضلًا عن مساهمته في فهم طبيعة البشر، وسبب اختلاف صفاتهم، ولأجل ذلك سعى العديد من العلماء والأطباء للوصول إلى أساس جيني وراثي لفهم الإنسان وصحته، وصفاته عمومًا.[٢]


ما هو الحمض النووي؟

الحمض النووي (DNA) أو ما يسمى الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (بالإنجليزيّة: Deoxyribonucleic Acid) هو الجزء المحتوي على معلومات وراثية، إذ يحتوي الحمض النووي على الشفرة والمخطط الذي تحتاجه الخلية لتصنيع البروتينات الضرورية لأداء العديد من وظائف الجسم المهمة، بما فيها تحريك العضلات، وبناء الخلايا، وهضم الطعام، وغيرها العديد.[٣][٤]


يلتف كل جزيء طويل من الحمض النووي داخل أحد الكروموسومات، ويشبه الحمض النووي في شكله حبلين متشابكين على شكل سلم حلزوني يحتوي على ملايين الخطوات، وتتكون هذه الخطوات أو درجات السلم من أزواج من 4 أنواع من الجزيئات أو القواعد، ويُشار لهذه القواعد علميًا باسم النيوكليوتيدات (بالإنجليزية: Nucleotides)، ففي كل خطوة من خطوات هذا السلم تقترن القاعدة الأدينين (بالإنجليزية: Adenine) مع القاعدة الثايمين (بالإنجليزية: Thymine)، أو تقترن القاعدة الجوانين (بالإنجليزية: Guanine) مع القاعدة السيتوسين (بالإنجليزية: Cytosine)، ثم إنّ كل ترتيب مكوّن من ثلاثة من هذه القواعد يعمل وكأنّه شفرة لإضافة حمض أميني محدد لبناء البروتينات، والأحماض الأمينية هي اللبنات الأساسية لبناء البروتين، وبالتالي فإن اختلاف ترتيب القواعد داخل الحمض النووي يؤدي إلى بناء بروتينات مختلفة لكل منها وظيفة محددة.[٤]



99% من ترتيب الحمض النووي متشابه بين مختلف البشر، وما يفسر الاختلاف بين صفات البشر هو الاختلاف في 1% فقط من الحمض النووي.




ما هي الكروموسومات؟

الكروموسومات هي حزم من الحمض النووي، ويمكن مشاهدتها تحت المجهر، والتعرف عليها من خلال أشكالها وأحجامها، وتتواجد داخل نواة الخلية، ويمتلك الشخص الطبيعي 23 زوجًا من الكروموسومات، وفي كل زوج يُورَث أحد الكرموسومات من الأم، والآخر من الأب، وأحد هذه الكرموسومات تساهم في تحديد جنس الشخص، ذكرًا كان أم أنثى، وهي أزواج الكرموسومات X أو Y.[٣][٥]


تتميز الكروموسومات بأنها هياكل شبيهة بالخيوط، وكل كروموسوم يتكون من بروتين وجزيء واحد من الحمض النووي الطويل، وتحافظ تركيبة الكروموسوم على التفاف الحمض النووي بإحكام حول بروتينات شبيهة بالبكرة، يُشار لهذه البروتينات باسم الهستونات (بالإنجليزية: Histones)، وتكمن أهمية هذا التغليف بالحفاظ على الحمض النووي داخل الخلية، ولولاه سيكون الحمض النووي طويلًا للغاية بحيث يصعب وجوده داخل الخلية، بالإضافة إلى ذلك الكروموسومات تعمل كجزء أساسي من عملية نسخ الحمض النووي بدقة، وتوزيعه بين الخلايا عند انقسامها.[٦]




في حال كانت جزيئات الأحماض النووية داخل خلية واحدة فقط من جسم الإنسان غير ملفوفة حول بروتينات الهيستون داخل الكرموسوم، وتم ترتيبها خلف بعضها بعضًا، سيصل طولها إلى حوالي 1.8 متر!




ما هو الجين؟

الجين هو جزء صغير من الحمض النووي، ويختلف في طوله من جين إلى آخر، فيتراوح من بضع مئات من قواعد الحمض النووي إلى ما يصل إلى مليوني قاعدة، وفي كل خلية يوجد نسختان من كل جين، واحدة على كل كرموسوم في زوج الكروسومات، وبالتالي فإن إحدى النسخ موروث من الأم، والأخر من الأب، وللجينات العديد من الوظائف، منها تصنيع البروتينات، وتكوّن الجينات مجموعة من التعليمات التي تحدد صفات الكائن الحي، وشكله، وأحيانًا إصابته ببعض الأمراض، وفي الحقيقة تتواجد الجينات في جميع الكائنات الحية، وليس فقط الإنسان.[٥][١]




قد تتفاعل الجينات مع البيئة المحيطة بالشخص، ممّا قد يُسبِّب بعض التغيرات بالبروتينات التي تصنعها.





التغيرات الوراثية والطفرات الجينية

توصف التغيرات الوراثية (بالإنجليزية: Gene variant) بأنها حدوث تغيير دائم في تسلسل الحمض النووي داخل الجين، وقد تؤثر في واحدة أو أكثر من النيوكليوتيدات، ويُطلَق عادةً على التغيرات الوراثية اسم الطفرة الجينية، ولكن في الحقيقة يعد مصطلح تغير وراثي أكثر دقة، نظرًا لأن التغيرات التي تحدث في الحمض النووي لا ينجم عنها أمراض دائمًا.[٧]


قد تكون التغيرات الوراثية موروثة من أحد الوالدين إلى الأبناء، وعندها تظهر في كل خلية من خلايا الجسم، وتنتقل من جيل لآخر، وفي أحيان أخرى تحدث التغيرات الوراثية في وقت ما خلال حياة الشخص بعد ولادته، وفي هذه الحالة لا تتواجد التغيرات الوراثية في جميع خلايا الجسم، وإنما في خلايا معينة فقط، كما أنّها غالبًا لا تنتقل من جيل إلى آخر، إلا إذا حدثت داخل الخلايا الجنسية، أي الحيوانات المنوية عند الذكور أو البويضات عند الإناث.[٧]


وراثة صفة أو اضطراب وراثي

تنتقل الصفات الوراثية أو بعض الأمراض والاضطرابات من جيل إلى آخر، وهذا ما تنطوي عليه فكرة الوراثة، وتكون الاضطرابات المتوارثة عادة ضمن الأنماط التالية:[٨]

  • النمط الصبغي الجسدي السائد: (بالإنجليزية: Autosomal dominant) وتعني الصفات أو الاضطرابات الوراثية التي تنشأ عن وجود تغير جيني في نسخة واحدة فقط من جين معين.
  • النمط الصبغي الجسدي المتنحي: (بالإنجليزية: Autosomal recessive) تتطلب هذه الصفات أو الأمراض لظهورها وجود تغيرات جينية في كلتا النسختين من جين معين.
  • النمط السائد المرتبط بالكروموسوم إكس: (بالإنجليزية: X-linked dominant) وتعني الصفات الجينية أو الاضطرابات الناجمة عن وجود تغيرات جينية في الجينات المتواجدة على الكروموسوم X، وفي هذه الحالة يكفي وجود نسخة واحدة من التغير الجيني (الطفرة) لحدوث المرض في الذكور والإناث، ومن الجدير بالعلم أن الذكور لديهم كروموسوم X واحد فقط، أما الإناث فلديهم كروموسومان X، وبالتالي فإن جميع الإناث المولودين لآباء مصابين بمرض ينتقل من خلال هذا النمط يكّن مُصابات.[٩]
  • النمط المتنحّي المرتبط بالكروموسوم إكس: (بالإنجليزية: X-linked recessive) وهي الحالات أو الاضطرابات الجينية التي تحدث بسبب وجود تغيرات جينية في الجينات المتواجدة على الكروموسوم X، ولكن في هذه الحالة لا تتأثر الأنثى التي تحمل طفرة في نسخة واحدة من الجين، في حال وجود جين طبيعي على كروموسوم X الآخر، وإنما يكون التأثير في الذكور الذين يحملون هذه الطفرة على كروموسوم X.[١٠]
  • النمط المتعلق بالميتوكندريا: (بالإنجليزية: Mitochondrial) الميتكوندريا هي الجزء المسؤول عن إنتاج معظم الطاقة التي تتطلبها الخلية، وتتميز بامتلاكها مادة وراثية خاصة بها، أي مختلفة عن المادة الوراثية المتواجدة في نواة الخلية، ويتم تمرير المادة الوراثية الخاصة بالميتكوندريا من الأم إلى أطفالها.[٨]

أمراض وراثية شائعة

من الأمراض الوراثية الشائعة ما يلي:[١١]

  • الثلاسيميا: (بالإنجليزية: Thalassemia) وهي أحد الاضطرابات الوراثية المؤثرة في إنتاج الهيموغلوبين داخل خلايا الدم الحمراء، ممّا يُسبِّب فقر الدم، وضعف نقل الأكسجين إلى مختلف أنحاء الجسم.
  • متلازمة داون: وتعني وجود مشكلة في الكروموسومات، إذ إن الكروموسوم الحادي والعشرين يتم نسخه مرّة أخرى في بعض الخلايا أو جميعها، وعندها تحتوي الخلية على أكثر من 23 كرموسوم على عكس الطبيعي.
  • التفوّل: (بالإنجليزية: G6PD deficiency) وهو تحلل خلايا الدم الحمراء نتيجة نقص إنزيم يسمى نازعة الهيدروجين جلوكوز 6 فوسفات (بالإنجليزية: Glucose-6-phosphate dehydrogenase)، وتكمن أهمية هذا الإنزيم في تعزيز عمل خلايا الدم الحمراء، وحمايتها من المواد التي تتواجد في الدم وقد تلحق الضرر بها، وغالبًا يصيب مرض التفول الذكور.[١٢]
  • فقر الدم المنجلي: (بالإنجليزية: Sickle Cell Disease) وهو مرض وراثي يتسبب بتغير شكل خلايا الدم الحمراء، فتصبح على شكل منجل، ممّا يؤدي إلى الإصابة بفقر الدم، كما يؤثر في عمل القلب، والرئتين، والكلى.[١٣]
  • التليف الكيسي: (بالإنجليزية: Cystic fibrosis) وهو مرض وراثي مُسبِّب لزيادة سمك ولزوجة المخاط، إذ يؤثر هذا المرض في الخلايا المسؤولة عن إنتاج العرق، والمخاط، والعصارة الهضمية، وهذا ينعكس سلبًا على الجهاز التنفسي، والهضمي، والتناسلي، ويحدث أضرارًا لهم.[١٣]
  • الهيموفيليا: (بالإنجليزية: Hemophilia) وهو مرض وراثي يؤثر في عملية تخثر الدم، فيزيد من خطر حدوث النزيف لدى الشخص، ويعد أكثر شيوعًا في الذكور، وهو أحد الاضطرابات الوراثية الناجمة عن حدوث طفرة على كروموسوم X.[١٣]


السرطان وعلم الوراثة

قد ينتج السرطان عن حدوث تغيرات جينية معينة في الجينات المتحكمة في الخلايا، وخاصة تلك المسؤولة عن نمو الخلايا وانقسامها، إذ تؤدي بعض التغيرات الجينية إلى زيادة إنتاج البروتينات المسؤولة عن نمو الخلايا، أو قد تؤدي إلى حدوث خلل في إنتاج البروتينات المسؤولة عن إصلاح أي خطأ يحدث داخل الخلايا، فتتحول هذه الخلايا إلى خلايا سرطانية، ويعدّ السرطان من الاضطرابات الوراثية متعددة العوامل (بالإنجليزية: Multifactorial inheritance) والتي تكون ناجمة عن مجموعة من العوامل البيئية والطفرات في جينات معينة، فمن الممكن اكتساب التغيرات الجينية المسببة للسرطان نتيحة التعرض لعوامل بيئية معينة، مثل التعرّض لمواد مسرطنة، أو الإشعاع، فتسبِّب هذه تضرر الحمض النووي وحدوث التغيرات الجينية.[١٤][١٥]

المراجع

  1. ^ أ ب "Genetics Basics: Six Things You Should Know", ashg, Retrieved 19/6/2021. Edited.
  2. "Human genetics", britannica, Retrieved 19/6/2021. Edited.
  3. ^ أ ب "Building Blocks of the Genetic Code", ashg, Retrieved 19/6/2021. Edited.
  4. ^ أ ب "Genes and Chromosomes", merckmanuals, Retrieved 19/6/2021. Edited.
  5. ^ أ ب "What are genes and why are they important?", medicalnewstoday, Retrieved 19/6/2021. Edited.
  6. "Chromosomes Fact Sheet", genome, Retrieved 19/6/2021. Edited.
  7. ^ أ ب "What is a gene variant and how do variants occur?"، medlineplus، اطّلع عليه بتاريخ 19/6/2021. Edited.
  8. ^ أ ب "Mode of Inheritance", ons, Retrieved 19/6/2021. Edited.
  9. "X-linked dominant inheritance", cancer, Retrieved 19/6/2021. Edited.
  10. "X-linked recessive inheritance", National Cancer Institute, Retrieved 27/6/2021. Edited.
  11. "What You Need to Know About 5 Most Common Genetic Disorders", online.regiscollege, Retrieved 19/6/2021. Edited.
  12. "G6PD Deficiency", kidshealth, Retrieved 19/6/2021. Edited.
  13. ^ أ ب ت "6 Most Common Hereditary Diseases", healthgrades, Retrieved 19/6/2021. Edited.
  14. "Genetic Diseases (Disorder Definition, Types, and Examples)", medicinenet, Retrieved 19/6/2021. Edited.
  15. "The Genetics of Cancer", cancer, Retrieved 19/6/2021. Edited.